ضربة اليمن لمطار بن غوريون- تداعيات إقليمية وتحديات تواجه إسرائيل.

إن سقوط صاروخ يمني في منطقة مطار بن غوريون قرب تل أبيب، يشكل منعطفًا حاسمًا يحمل في طياته تداعيات جمة وتطورات متسارعة. بل يمكن اعتباره الذروة في سلسلة العمليات التي يطلق عليها أنصار الله "إسناد غزة" وتعبيرًا عن التضامن معها، وذلك في أعقاب الضربات الجوية العنيفة التي نفذتها القوات الأميركية والبريطانية، وتحذيرات ترامب التي أطلقها في مارس/آذار الماضي، والتي ضمنها في منشور على منصة تروث سوشيال قائلًا: "إذا لم تتوقف الهجمات، فسينزل عليكم الجحيم، بشكل لم تشهدوه من قبل أبدًا".
إن نجاح أنصار الله (الحوثيين) في هذا التصعيد الملحوظ، وبعد أسابيع من التهديدات والغارات الشرسة، يوجه ضربة قاصمة لمصداقية ترامب، ويضع علامات استفهام حول قدرته على ترجمة تهديداته إلى واقع ملموس، ليس فقط في اليمن، بل في مختلف بقاع العالم، خاصة مع كثرة تصريحاته النارية ووعيده المتكرر في العديد من الملفات والقضايا. كما أن هذا الأمر يزيد من الضغوط على خيارات ترامب، وبالأخص مع تهديداته السابقة لإيران بتحمل تبعات أفعال الحوثيين.
على الصعيد الإسرائيلي وتحديدًا على مستوى قيادة نتنياهو، التي سعت من خلال تصريحاتها العلنية المستفزة -فيما يخص تدخلها السافر في الشأن السوري، وانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي، ومساعيها الظاهرة لتقسيم سوريا، ونقضها للاتفاقات المبرمة في لبنان، فضلًا عن تصرفاتها وسلوكياتها الجامحة في غزة والضفة الغربية- إلى ترسيخ معادلة جديدة تفرض فيها نفسها كقوة إقليمية متغطرسة، تعتبر الضربة اليمنية صفعة مدوية ومذلة إلى أبعد الحدود.
ومع التأثير الكبير الذي طال حركة الملاحة الجوية في إسرائيل، والتداعيات الاقتصادية المتزايدة، وفشل منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة في اعتراض الهجوم ودفعه، فإن هذا الحدث المؤسف سيصب الزيت على نار الخلافات الإسرائيلية الداخلية المتأججة، وسيُحكم الخناق على نتنياهو بشكل مضاعف، لا سيما وأنه يأتي بالتزامن مع استعادة المقاومة في غزة لنشاطها العسكري، ونجاحها الملحوظ في استعادة زمام المبادرة على الأرض، وتكبيد قوات الاحتلال خسائر فادحة في الأرواح والمعدات. لذا، فمن المتوقع أن تتعالى الأصوات داخل إسرائيل مطالبة بإبرام صفقة تبادل في غزة، ليس فقط لإنقاذ الرهائن المحتجزين، بل لإنقاذ المؤسسة العسكرية من التدهور واقتصاد البلاد من الانهيار الوشيك.
كما أن ضرب مطار بن غوريون يمثل دفعة معنوية هائلة للمقاومة الفلسطينية ولأهالي غزة الصامدين، خاصة مع تصاعد الأصوات الدولية المستنكرة للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة، ومن بينها انتقاد نائب رئيس الوزراء الأيرلندي، ووزير الخارجية والدفاع، سيمون هاريس، لمنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ووصف هذا الوضع المستمر بأنه "انعدام للضمير"، وأصدر بيانًا بمناسبة مرور شهرين على توقف دخول المساعدات إلى غزة بسبب الحصار الإسرائيلي، قائلًا: "الأطفال يعانون من الجوع الشديد، حتى أبسط أنواع المسكنات الطبية نفدت من المستشفيات، وبرنامج الغذاء العالمي أعلن عن نفاد مخزونه من المواد الغذائية الأساسية، وهناك مساعدات منقذة للحياة ضرورية وملحة، ولكن الشاحنات لا تستطيع دخول غزة المحاصرة". كما أدانت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، الحصار الإسرائيلي الجائر، وخاطبت أهالي غزة قائلة: "إن جوعكم وصمة عار تلاحقنا جميعًا".
تفاقمت حدة التوتر في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة على خلفية الهجوم الذي استهدف مطار بن غوريون، وهي علاقة شهدت توترات دفينة في الآونة الأخيرة، وخاصة مع قرار ترامب باستئناف المفاوضات مع طهران، حيث طالبت إسرائيل بعد قصف المطار بتقديم دعم أميركي أكبر لمواجهة التهديدات اليمنية المتزايدة. ومن الطبيعي أن تزيد تلك الخلافات من الضغوط السياسية الهائلة على نتنياهو، وتمنح خصومه السياسيين ذخيرة إضافية لمهاجمته والنيل منه والدعوة العلنية إلى إسقاطه من سدة الحكم.
إن إعلان الناطق العسكري باسم أنصار الله (الحوثيين) فرض حصار جوي شامل على إسرائيل ردًا على تصعيد العمليات العسكرية في غزة، يحمل في طياته رسائل متعددة الأبعاد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. فهو يعبر عن ثقة كبيرة بقدرة اليمن على لعب دور محوري في ترتيبات المنطقة، كما أنه يمثل إحراجًا بالغًا للنظام العربي الرسمي، الذي لا يزال عاجزًا عن تنفيذ قرارات القمم العربية المتعلقة بغزة بالحد الأدنى.
انتهزت إيران هذه الفرصة السانحة للرد على تهديدات نتنياهو المتكررة، فكشفت النقاب عن صاروخ باليستي جديد يحمل اسم "قاسم بصير"، ويبلغ مداه أكثر من 1200 كيلومتر، ويتمتع بقدرات فائقة، فهو بحسب المصادر الإيرانية محصن ضد الحرب الإلكترونية ولا يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، كما أنه قادر على اختراق أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ الباليستية، ويمكنه التخفي عن الرادارات الحديثة.
وفي السياق ذاته، وجه وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، تهديدات قوية اللهجة، وأكد أن إيران سترد بقوة وحزم على أي عدوان يستهدف أراضيها، ولن تتردد مطلقًا في استهداف مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وقواعدهما العسكرية المنتشرة وقواتهما المتواجدة في أي مكان وزمان تراه ضروريًا إذا ما أقدمت أي منهما على شن حرب ضد إيران، وأضاف أن بلاده لن تضع أي قيود أو تحفظات في مهاجمة المصالح الحيوية الأميركية.
بعد النجاح اللافت لضربة مطار بن غوريون، ستؤخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد والاهتمام، الأمر الذي يضع المنطقة بأسرها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تصعيد واسع النطاق لا يبدو له أفق، وإما تسوية شاملة تتضمن ترتيبات جديدة في المنطقة، والدور الإيراني المرتقب فيها بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها إيران في لبنان وسوريا.
ولعل تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلته مع شبكة "إن بي سي" الإخبارية، والتي أعرب فيها عن استعداده للسماح لإيران بالسعي إلى الحصول على الطاقة النووية المدنية، شريطة إنهاء برنامجها الطموح للأسلحة النووية، مع تأكيده على ضرورة التفكيك الكامل لبرنامجها النووي كهدف أساسي للمفاوضات النهائية، وإرساله إشارات ود واضحة لإيران بقوله: "أريد أن أرى إيران ناجحة وعظيمة ورائعة، ولكن الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم امتلاكه تحت أي ظرف من الظروف هو السلاح النووي الفتاك"، تشير بوضوح إلى تزايد احتمالات إبرام صفقة جديدة تتيح لإيران لعب دور أكثر فاعلية في المنطقة بصيغة جديدة ومبتكرة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستكون هذه الصفقة الإيرانية الأميركية على حساب الدول العربية ومصالحها الاستراتيجية؟